شراكة تاريخية للحفاظ على أصالة “التبوريدة” والصناعة التقليدية بالمغرب
في خطوة تعكس التزام المغرب بالحفاظ على تراثه الثقافي والهوية الوطنية، تم التوقيع على اتفاقية شراكة تاريخية بين كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ودار الصانع، والشركة الملكية لتشجيع الفرس، والجمعية الوطنية لفن التبوريدة.
تهدف هذه الاتفاقية إلى دعم الصناعة التقليدية المرتبطة بالفروسية، وتثبيت القواعد الأصيلة لهذا الفن العريق، في ظل التحولات التي طرأت عليه خلال السنوات الأخيرة.
أكد لحسن السعدي، كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، أن هذه الاتفاقية تمثل لحظة تاريخية غير مسبوقة، إذ إنها الأولى من نوعها التي تجمع بين مختلف الفاعلين للحفاظ على فن التبوريدة، باعتباره جزءًا من التراث الوطني المسجل لدى منظمة اليونسكو كتراث لا مادي.
وأوضح أن التبوريدة لا يمكن فصلها عن الصناعة التقليدية، حيث إن جميع مستلزماتها، من لباس الفرسان إلى السروج والبنادق، تُصنع بأيادٍ مغربية ماهرة، مما يستوجب دعم الحرفيين التقليديين وتشجيعهم على الاستمرار في إنتاج هذه المستلزمات وفق الأساليب الأصيلة، بعيدًا عن أي تحريف قد يضر بجودتها أو بمكانتها التراثية.
وأضاف السعدي أن الاتفاقية تنص على تخصيص جوائز لأفضل الحرفيين في صناعة السروج والملابس التقليدية، وذلك لتحفيز الصناع التقليديين على الحفاظ على المعايير الأصلية التي ميزت هذه المنتجات على مر الأجيال. كما أعلن عن إطلاق جوائز على المستوى الجهوي والوطني لدعم الصناعة التقليدية في مجال الفروسية، مؤكداً أن هذه المبادرة ستمكن من تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على هذا الموروث الثقافي، وضمان استدامته في ظل التطورات التي يعرفها المجال.
من جانبه، أكد عمر الصقلي، المدير العام للشركة الملكية لتشجيع الفرس، أن الاتفاقية تهدف إلى تأطير وتكوين الحرفيين في قطاع الصناعة التقليدية المرتبط بالفروسية، بما يضمن توفير منتجات ذات جودة عالية تحترم المعايير التي أرساها الأجداد.
وأشار إلى أن التبوريدة ليست مجرد استعراض فني، بل هي جزء من الهوية المغربية، ويجب أن تُحافظ على خصوصياتها التقليدية، سواء من حيث الخيول أو اللباس أو السروج أو البنادق، مما يستدعي مجهودًا جماعيًا لضمان استمرارها وفقاً للأصول المتوارثة.
أما حليمة البخراوي، أول “مقدمة” لفريق نسائي في التبوريدة، فأعربت عن فخرها بهذا الحدث الذي وصفته بعرس الفرسان، مؤكدة أن الاتفاقية ستساهم في ضبط القوانين المنظمة لهذا الفن العريق، وتعزيز مكانة الصناعة التقليدية في صلبه.
وأوضحت أن التغيرات التي شهدها القطاع خلال السنوات الأخيرة أضرّت بأصالته، إذ عمدت بعض الفرق إلى اعتماد تجهيزات لا تتماشى مع روح التبوريدة التقليدية، مما يجعل هذه الشراكة ضرورية لاستعادة الطابع الأصيل لهذا التراث. كما عبرت عن امتنانها لدور مختلف المؤسسات والهيئات الداعمة لهذا المشروع، معتبرة أنه خطوة مهمة في سبيل الحفاظ على الموروث الثقافي الوطني.
من جهته، تحدث إبراهيم النيام، صانع الأسرجة التقليدية من قلعة السراغنة، عن أهمية الحفاظ على الصناعة التقليدية في مجال الفروسية، مشيرًا إلى أنه ورث هذه الحرفة عن والده منذ سنّ الثانية عشرة، حيث تعلم أصولها على يد أحد كبار السراجين في مراكش.
وأكد أن الأسرجة التي يصنعها تُنجز يدويًا بالكامل، دون تدخل الآلات الحديثة، للحفاظ على جودتها وأصالتها، مضيفًا أن هذه الحرفة تعاني من قلة الصناع المهرة، مما يستدعي تكوين جيل جديد من الحرفيين لضمان استمراريتها. كما أوضح أن الاتفاقية الجديدة ستتيح فرصًا للصناع التقليديين للحصول على دعم مادي ومعنوي، مما سيمكنهم من تطوير إنتاجهم وفقًا للمعايير التراثية المتعارف عليها.
تشكل هذه الاتفاقية خطوة رائدة في مجال الحفاظ على التبوريدة كتراث لا مادي، من خلال تعزيز مكانة الصناعة التقليدية في صلب هذا الفن، ودعم الحرفيين لضمان استمراريته وفق الأصول التي أرساها الأجداد. وبفضل هذا التعاون بين مختلف الفاعلين، سيتمكن المغرب من تعزيز موقعه كأحد أبرز الدول التي تحرص على حماية إرثها الثقافي، وضمان انتقاله للأجيال القادمة بنفس الأصالة والعراقة.