الرئيسية / سياسة / ديمقراطية بدون جمهور؟ المغاربة يجهلون حقهم في الاعتراض والتشريع الشعبي

ديمقراطية بدون جمهور؟ المغاربة يجهلون حقهم في الاعتراض والتشريع الشعبي

تقرير يكشف ثغرات استهداف الفئات الهشة في منظومة الحماية الاجتماعية
سياسة
فبراير.كوم 04 أبريل 2025 - 12:00
A+ / A-

رغم مرور أكثر من عقد على التنصيص الدستوري لآليات الديمقراطية التشاركية في المغرب، إلا أن نتائج دراسة حديثة كشفت عن فجوة كبيرة بين النص والممارسة، بين ما يتيحه الدستور من أدوات للمشاركة، وما يعرفه المواطنون عنها بالفعل.

ففي بلد خاض تجربة إصلاح دستوري كبرى سنة 2011، لا يعلم سوى 28% من المغاربة بوجود حق تقديم العرائض كوسيلة للاعتراض على القرارات العامة، وهو ما يؤشر، حسب المراقبين، إلى محدودية الانتقال الديمقراطي في مستواه التشاركي.

الدراسة التي أنجزها مكتب “سينورجيا” بتعاون مع جريدة “ليكونوميست”، خلصت إلى أن هذه النسبة تبقى مقلقة، بالنظر إلى مرور أكثر من عشر سنوات على إقرار هذا الحق. فالعريضة، باعتبارها شكلاً من أشكال الضغط الديمقراطي، تتيح للمواطنين إمكانية التأثير على السياسات العمومية، من خلال جمع توقيعات مرفقة بمذكرة توضيحية، شريطة أن تخدم المصلحة العامة وتحظى بدعم ما لا يقل عن 5000 مواطن، وفقًا لما يحدده القانون التنظيمي رقم 44.14.

المعطيات التي أوردتها الدراسة تُظهر تباينًا بين فئات المجتمع في مستوى الوعي بهذا الحق، إذ تتقدّم فئة الرجال على النساء بنسبة طفيفة (30% مقابل 26%)، بينما يُسجَّل أعلى مستوى من الوعي بين فئة الشباب ما بين 25 و44 سنة، في حين تشهد الفئات العمرية الأكبر، خاصة من هم فوق 65 سنة، تراجعًا ملحوظًا في معرفتهم بهذه الآلية، رغم أن المشاركة العملية كانت مفاجئة في صفوف هذه الفئة، حيث أظهرت المعطيات أن نسبة التوقيع على العرائض، وإن كانت عامة لا تتجاوز 19%، فإنها كانت أعلى بين من تجاوزوا سن الخامسة والخمسين.

في مقابل ذلك، كشف الاستطلاع أن 72% من المغاربة لا يعرفون أن العرائض يمكن أن تُستخدم للاعتراض على قرار عمومي، وهو ما يعكس ضعفًا في التكوين المواطني ونقصًا في التواصل المؤسساتي حول هذه الحقوق الدستورية.

والمفارقة الكبرى أن النساء، رغم انخفاض نسب وعيهن بوجود الآلية، سجلن نسبة أعلى من الرجال فيما يتعلق بالمشاركة الفعلية في التوقيع على العرائض، حيث بلغت نسبة مشاركتهن 21%.

ومن أبرز الأمثلة التي ذكرتها الدراسة، عريضة المناصفة التي قُدّمت إلى مجلس النواب سنة 2018، والتي جمع أصحابها 13,816 توقيعًا، من بينها 125 توقيعًا إلكترونيًا، وقد اعتُبرت واحدة من أوائل العرائض المقدمة في إطار تفعيل الآليات التشاركية التي جاء بها دستور 2011. لكنها ظلت استثناء يؤكد القاعدة: المشاركة التشاركية في المغرب ما تزال محصورة في دوائر محدودة من النخب المدنية.

الدراسة تطرّقت أيضًا إلى آلية أخرى لا تقل أهمية، وهي حق تقديم مقترحات القوانين، الذي لا يعرفه سوى 29% من المواطنين، مع تباين ملفت بين النساء (31%) والرجال (نسبة أقل)، بينما جاءت الفئة العمرية 65 سنة فما فوق في طليعة من يدركون وجود هذه الإمكانية (46%)، مقابل نسب أدنى في صفوف الفئات العمرية الأخرى.

وتُبرز هذه النتائج أن الوعي لا يرتبط فقط بالعمر أو النوع، بل أيضًا بالموقع الاجتماعي، حيث أن الفئات المهنية والاجتماعية العليا (A وB) سجلت أعلى نسبة معرفة بهذه الحقوق (33%).

ورغم أن هذه الآلية، نظريًا، أكثر شهرة من العرائض، إلا أن استخدامها العملي يبقى أقل، بسبب تعقيد مساطرها، وعلى رأسها شرط جمع 25,000 توقيع مرفق بنسخ من البطائق الوطنية، وهي شروط تُعتبر صعبة التحقيق في ظل ضعف التكوين القانوني لدى المواطنين، وغياب الدعم المؤسساتي لمبادرات المجتمع المدني. ومع ذلك، يرى نصف المغاربة أن هذه الأداة التشريعية مفيدة لتحسين القوانين، بينما عبّر 9% فقط عن تشكيكهم في نجاعتها.

ولعل اللافت في نتائج الدراسة أن أعلى نسب التأييد لفعالية هذه الآلية جاءت من الفئة الأكثر سنًا، وهو ما قد يُقرأ كدليل على التجربة النضالية الطويلة لهذه الفئة، أو على انخراطها السابق في مسارات الكفاح الاجتماعي، أكثر من ارتباطه بمدى تفاعل المؤسسات مع هذه المبادرات في الواقع. كما أن الفئات الاجتماعية العليا تظل الأكثر إيمانًا بجدواها، بنسبة تأييد بلغت 65%.

ما خلصت إليه الدراسة لا يتعلق فقط بمسألة نسبية حول مدى معرفة المواطنين بحقوقهم، بل يكشف عن خلل بنيوي في علاقة المواطن بالمؤسسات. فالدستور وضع أدوات للتأثير الشعبي في القرار العمومي، لكن تفعيل هذه الأدوات ظل محصورًا في النوايا، ومشلولًا أمام تعقيدات قانونية وإدارية، وغياب تام لحملات التوعية السياسية والمدنية.

في ضوء هذه المعطيات، لا يبدو أن الديمقراطية التشاركية في المغرب قد تجاوزت عتبة الرمزية الدستورية. فالمواطن، في غياب قنوات للتكوين والتأطير، يُترك وحيدًا أمام نصوص قانونية معقدة، وآليات تحتاج إلى تعبئة جماعية غير متوفرة، مما يُفرغ الحق من محتواه، ويحوّله إلى واجهة شكلية لا تُمكّنه فعليًا من التأثير في السياسات العامة. وهو ما يطرح سؤالًا عميقًا: كيف يمكن الحديث عن مواطنة فاعلة في ظل ديمقراطية بلا جمهور؟

السمات ذات صلة

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة